السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الموريتانية
س.م.موسكو: انطلاقًا من الأسس الدستورية الراسخة التي أرساها دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية لسنة 1991 وتعديلاته اللاحقة، واستنادًا إلى الروح الجامعة التي تُعبِّر عنها ديباجة الدستور وما تضمنته من تشبث بالقيم الإسلامية ومبادئ الديمقراطية ومواثيق حقوق الإنسان، تبلور التوجه الخارجي للدولة بوصفه امتدادًا طبيعياً لهوية موريتانيا العربية-الإفريقية وإرادتها الثابتة في الإسهام الفاعل في بناء محيط سياسي يسوده الاستقرار والتعاون واحترام السيادة المتبادلة. ومن هذا المنطلق، تترسخ موريتانيا كعضو فاعل في المنظمات العربية والإفريقية والإسلامية والاقليمية، بما يعكس التزامها التاريخي بخدمة العمل المشترك وتغليب منطق التفاهم على منطق النزاع.
وتتجسد مرجعية هذه السياسة، من حيث الاختصاص والمسؤولية، في أحكام المواد (30.35 .36 .80) التي تمنح رئيس الجمهورية التفويض الكامل لرسم التوجهات الكبرى للسياسة الخارجية، واعتماد الممثلين الدبلوماسيين وإبرام المعاهدات الدولية، بما يجعل أعلى سلطة في الدولة الضامن لوحدة الرؤية واتساق المسار الدبلوماسي. كما تُعلي المادة (80) من مكانة الاتفاقيات الدولية المصدّق عليها، الأمر الذي يؤسس لعلاقة متوازنة بين الالتزامات الدولية والخيارات السيادية للدولة، ويعطي للدبلوماسية الموريتانية قوة قانونية ومصداقية إضافية في محيطها الدولي.
وانطلاقًا من هذه الأسس، وبعد انتخاب فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني في يونيو 2019، شرعت موريتانيا في إعادة بناء حضورها الدبلوماسي ضمن سياق إقليمي ودولي بالغ التعقيد اتسم بارتدادات الربيع العربي، وبروز تهديدات أمنية عابرة للحدود في منطقة الساحل، وتداخل أدوار القوى الدولية في الفضاء الإفريقي. وقد أدركت موريتانيا مبكرًا أن مواجهة هذه التحديات تتطلب دبلوماسية متوازنة، تُزاوج بين مبدأ الانفتاح وحماية المصالح العليا للدولة، وتُعلي من شأن الحوار وتجنّب الاصطفافات، وتُحافظ في الوقت ذاته على علاقات حسن الجوار مع دول المنطقة.
وفي هذا الإطار، اتجهت السياسة الخارجية إلى توسيع دائرة التمثيل الدبلوماسي بشكل مدروس، بهدف ترسيخ حضور موريتانيا الدولي وإعادة تثبيت مكانتها الطبيعية داخل المجتمع الدولي. وجاء هذا التوسّع مُكمِّلاً لسياسة قائمة على بناء شراكات متوازنة شرقًا وغربًا، تقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتسعى إلى تعزيز أمن المنطقة واستقرارها من خلال التعاون والتشاور المستمرين.
كما اعتمدت موريتانيا نهجًا دبلوماسيًا قائمًا على الحياد الإيجابي في التعاطي مع التحولات العميقة التي شهدها العالم العربي وإفريقيا، حرصًا منها على تجنيب المنطقة مزيدًا من التوتر، وتأكيدًا لتمسكها بمبدأ حل النزاعات عبر الطرق السلمية. وقد مكّن هذا النهج موريتانيا من الانتقال من موقع المتابع إلى موقع الفاعل الإقليمي، بما تجسّد في رئاستها للاتحاد الإفريقي في فبراير 2024، وقيادتها لعدد من القمم الإفريقية-الدولية، وتوليها دورًا مركزيًا على المستويين الإقليمي والدولي.
ولم يقتصر الدور الخارجي لموريتانيا على البعد السياسي والأمني، بل انفتح على البعد التنموي والاقتصادي، حيث أصبحت الدبلوماسية الاقتصادية إحدى ركائز العمل الخارجي للدولة، من خلال استقطاب الاستثمارات الأجنبية، وإطلاق مشاريع استراتيجية ، والمشاركة في المنتديات الاقتصادية الدولية التي عززت صورة موريتانيا كاقتصاد واعد يتمتع بإمكانات طبيعية وبشرية كبيرة.
وهكذا تتقدم السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الموريتانية اليوم برؤية متصلة الجذور بالدستور، ومتسقة مع هوية الدولة، ومتكيفة مع التحولات الدولية، وقائمة على ثلاث ركائز متلازمة: ترسيخ الاستقرار الإقليمي، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية، وتوظيف الدبلوماسية لخدمة التنمية الوطنية. وبذلك تواصل موريتانيا دورها البنّاء في محيطها العربي والإفريقي والدولي، مدفوعةً بقناعة راسخة بأن التعاون والحوار واحترام السيادة هي الأسس الوحيدة لبناء عالم أكثر سلامًا وازدهارًا.
ترتكز السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الموريتانية على قيم راسخة ورؤية متوازنة تعلي من شأن السلام والتعاون، وتحرص على بناء علاقات دولية قائمة على الاحترام المتبادل، وتوظف الدبلوماسية لخدمة مصالح الدولة التنموية، وتعزيز حضورها في محيطها العربي والإفريقي وعلى الساحة الدولية.
السفير/ سيداتي الشيخ ولد أحمد عيشه